في خطى محمد صلى الله عليه وسلم
كثير من مسيحيي الشام ، كتبوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ، كتبا منصفة ، تكلمت عنه برقة وعذوبة عكست روحا "مشرقة" ، وقد مسها حب وعشق لشخصيته الفريدة الكريمة ، لتلتقي مع ما قاله شوقي رحمه الله "ياسماء ما طاولتها سماء" .
ولعل البعض يذكر منهم خليل اسكندر وكتابه "دعوة نصارى العرب للإسلام" وخليل الطوال ومؤلفه "تحت راية الإسلام" ولبيب الرياشي ورائعته "نفسية الرسول العربي " ، بل إن عشرات من نصارى الشام ، مدحوا النبي وأثنوا عليه بما هو أهله ، وهذا موضوع آخر لعلنا نتطرق إليه لاحقا .
واليوم نستعرض بعض ما كتبه المفكر المسيحي اللبناني نصري سلهب ، والذي وهب حياته لتحقيق التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين ، وله دراسات حصيفة وبالغة العمق ، فيما يتعلق بعروبة مسيحيي الشرق ، وأثبت أن عروبة مسيحيي المنطقة سبقت الإسلام بمئات السنين ، وانتقد نزعة الكثير من المسيحيين الذين يرفضون القول انهم عرب، فيلجأون الى القوميات الاخرى من قبطية واشورية ومارونية... وكأن العروبة ترتبط بدين ما. ولقد اختاره كما أشرت في مقال أمس د. عماد الدين خليل كنموذج لمراجعة السيرة من خارج الدائرة الإسلامية ، وقد أحسن خليل الاختيار وأصاب الهدف ، واختار من حدائقه الجميلة باقة ورد نعرض بعضها في ختام هذا المقال .
ولـ نصري سلهب كتابان مهمان صدرا عام 1970 هما " لقاء المسيحية والإسلام" و" في خطى محمد" .. ويقول في "لقاء المسيحية والإسلام " :
ان الاية التي استطيب ذكرها هي التي تنبع سماحاً اذ تقول: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن - إلا الذين ظلموا منهم - وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" العنكبوت \ 46
ويتابع : "ذلك ما يقوله المسلمون للمسيحيين وما يؤمنون به لانه كلام الله اليهم. انها لعبارات يجدر بنا جميعاً، مسيحيين ومسلمين، ان نرددها كل يوم، فهي حجارة الاساس في بناءٍ نريده ان يتعالى حتى السماء، لانه البناء الذي فيه نلتقي والذي فيه نلقى الله : فحيث تكون المحبة يكون الله، والواقع ان القرآن يذكر صراحة ان الكتب المنزلة واحدة، وان اصلها عند الله، وهذا الاصل يدعى حينا (أم الكتاب) وحينا آخر (اللوح المحفوظ) او (الإمام المبين).."
ويضيف :".. ان محمداً صلى الله عليه وسلم كان امياً لا يقرأ ولا يكتب. فاذا بهذا الامي يهدي الانسانية ابلغ اثر مكتوب حلمت به الانسانية منذ كانت الانسانية ذاك كان القرآن الكريم، الكتاب الذي انزله الله على رسوله هدى للمتقين.."
ويشيير إلى أن ".. الاسلام ليس بحاجة الى قلمنا، مهما بلغ قلمنا من البلاغة. ولكن قلمنا بحاجة الى الاسلام، الى ما ينطوي عليه من ثروة روحية واخلاقية، الى قرآنه الرائع الذي بوسعنا ان نتعلم منه الكثير"
ونعرض ايضا من كتابه "في خطى محمد " هذه المختارات التي كتبها عن محمد صلوات ربي وسلامه عليه :
( 1 )
" في مكة .. أبصر النور طفل لم يمر ببال أمه، ساعة ولادته، أنه سيكون أحد أعظم الرجال في العالم، بل في التاريخ، ولربما أعظمهم إطلاقاً".
( 2 )
" غدا اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - أشهر الأسماء طُرًّا، وأكثرها ترداداً على الشفاه وفي أعماق القلوب. وحسبه شهرة وترداداً أن ملايين المؤمنين في العالم يؤدون، كل يوم أكثر من مرة، شهادة مقرونة باسم الله وباسمه ".
( 3 )
من ينعم التفكير في سيرة هذا الرجل - صلى الله عليه وسلم- يرَ نفسه منساقاً إلى الإقرار بأن ما حققه وقام به يكاد يكون من دنيا غير التي يعرفها البشر"
( 4 )
" هنا عظمة محمد - صلى الله عليه وسلم- -. لقد استطاع خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن، أن يحدث ثورة خلقية وروحية واجتماعية، لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة المذهلة"
( 5 )
" لا ليس بين الرسل واحد كمحمد - صلى الله عليه وسلم -عاش رسالته عمقاً وصعداً، بعد مدى، ذوب كيان، عصف بيان، عنف إيمان"
( 6 )
" لكأني بمحمد - صلى الله عليه وسلم- آلى على نفسه أن يترك للمؤمنين ثروة روحية وأخلاقية، ينفقون منها فلا تنضب ولا تشح؛ لأنها بحجم روحه، وهل أن روح النبي تنضب أو تشح؟"
( 7 )
" إن محمداً - صلى الله عليه وسلم- كان أمّياً لا يقرأ ولا يكتب، فإذا بهذا الأميّ يهدي الإنسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به الإنسانية، منذ كانت الإنسانية، ذاك كان الكتاب الذي أنزله الله على رسوله .
( 8 )
" ليس في القرآن كله ذكر لمعجزة أو لأعجوبة صنعها النبي- صلى الله عليه وسلم- فحسبه أن المعجزة الكبرى كانت بوساطته. حسبه أن الله اختاره من دون لبشر لينزل عليهم تلك الثروة التي لم يروِ التاريخ أن ثروة بحجمها جاءت على لسان رجل واحد. حسبه أن يكون قد نثر تلك الثروة بحرفيتها على الناس، فأفادوا منها جميعهم. وستظل مدى الدهر ينبوعاً يرِدُه العِطاش إلى الحقيقة والجِياع إلى ملكوت الله "
( 9 )
" إن أولى الآيات البيّنات كانت تلك الدعوة الرائعة إلى المعرفة، إلى العلم عبر القراءة.. اقرأ .. وقول الله هذا لم يكن لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فحسب، بل لجميع الناس، ليوضح منذ الخطوة الأولى، بل منذ الكلمة الأولى، أن الإسلام جاء يمحو الجهل، وينشر العلم والمعرفة "(16).
( 10 )
" ذلك العظيم الذي كان يحاول تغيير التاريخ، ويعدّ شعباً لفتح الدنيا من أجل الله.. ذلك الأمي اليتيم الفقير الذي خاطب الأباطرة والملوك والأمراء من ندّ إلى ندّ، بل كمن له عليهم سلطان.. ذلك الملهم الذي كان همّه أن يعيد الصلة بين الأرض والسماء. ذلك الرجل وجد الوقت الكافي ليلقي على الناس دروساً في آداب المجتمع، وفي أصول المجالسة وكيفية إلقاء السلام! ".
( 11 )
" هذا الرجل الذي ما عرف الهدوء ولا الراحة ولا الاستقرار، استطاع، وسط ذلك الخضّم الهائج، أن يرسي قواعد دولة، وأن يشرّع قوانين، ويسن أنظمة، ويجود بالتفاسير والاجتهادات، ولم ينسّ أنه أب وجدٌّ لأولاد وأحفاد فلم يحرمهم عطفه وحنانه. فكان بشخصيّته الفذّة، الغنيّة بالقيم والمعطيات والمؤهّلات، المتعددة الأبعاد والجوانب الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم وصفات، وبما حباها من إمكانات، كان بذلك كله عالماً قائماً بنفسه " .
( 12 )
" لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم- رسولاً وحسب، يهدي الناس إلى الإيمان، إنما كان زعيماً وقائد شعب، فعزم على أن يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس. وكان له ما أراد ".
وصلى الله على محمد وآله وصحبه