طلاقة القدرة في الكون - كل شيء له مولد
والنقطة الثالثة إن كل شيء في الكون قد جعل الله له مولدا في طلاقة قدرته .. فطلاقة القدرة هي التي تكشف أسرارا لكل جيل أخفيت عن الجيل الذي سبقه .. فالله له عطاء جديد لكل جيل من البشر .. وإذا أردنا أن نستطرد في شرح هذه النقطة .. نقول إن بعض الناس بعجزه تفكيره
عن فهم تفسير للآية الكريمة : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) .. وبعضهم لا يذهب إلى الطبيب تطبيقا لهذه الآية .. والبعض الآخر يذهب إيمانا منه بأن الشفاء يحدث على يد الطبيب .. ولكن الذي يحدث أن كل شفاء أجلا .. فإذا جاء الأجل أو الموعد كشف الله للطبيب المرض فيتحدد الداء والدواء ليتم الشفاء .. والذي يحدث عادة .. وهذا في حياتنا كلنا .. أننا نذهب إلى طبيب صغير أو مبتدئ فيعرف الداء ويكتب الدواء .. ونحن حين يحدث هذا نتعجب .. ذلك لأن الذي حدث يخالف الأسباب في الأرض
ولكن الحقيقية .. أو ما يحدث .. وما نشاهده جميعا ونعرفه هو عكس ذلك .. والحقيقة أن علم الطبيب المبتدئ لا يمكن أن يزيد على علم أستاذه .. ولا خبرته .. ولكن الذي حدث أن وقت الشفاء قد جاء .. فيسر لنا الله الطبيب الذي عرف الداء وكتب الدواء .. وإذا لم نذهب نحن إلى الطبيب فأحيانا يحدث ذلك بطريق ما نسميه الصدفة وهو أن يجمعنا مكان مع أحد الأطباء .. ويدور الحديث عن المرض ويقوم الطبيب بتشخيص الداء وكتابة الدواء
وكما يقال عن المرض .. يقال عن كل كشف من أسرار الأرض .. يريد الله سبحانه وتعالى أن يمكن منه خلقه .. فكل كشف له ميلاد عند الله وفي علمه .. والذي يحدث أنه عندما يأتي وقت هذا الميلاد إما يصادف هذا الكشف عالم يبحث عنه .. فيكشفه الله سبحانه وتعالى له .. وإذا لم يصادف هذا الكشف عالم يبحث في نفس الموضوع كشفه الله سبحانه وتعالى لعالم يبحث في موضوع آخر .. ولذلك نرى كثيرا من الأبحاث العلمية التي تبدأ بالبحث عن كشف ثم تنتهي إلى كشف آخر مختلف تماما .. لم يكن يدور في ذهن العالم .. بل حدث بطريق ما نسميه الصدفة .. ولو تتبعنا الكشوف العلمية وما يحدث فيها .. لوجدنا أن اكتشافات كثيرة قد تمت دون أن يكون هناك باحث عنها بالذات .. بل بدأ البحث عن شيء وانتهى إلى شيء آخر
وهكذا يكون العطاء في كثير من الأحيان بمولد وميقات من الله سبحانه وتعالى .. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يطلعنا على ذلك .. فأحيانا نأخذ بالأسباب .. وأحيانا نرى أن هناك أشياء يحار العقل فيها فننسبها للصدفة .. أو للحظ .. أو لكل هذه المسميات
النقطة الرابعة أن الإيمان بطلاقة القدرة هو أساس الإيمان وركيزته والذي لا يؤمن بطلاقة القدرة لا يمكن أن يؤمن بالغيب .. فالإنسان الكافر .. أو الذي ينكر وجود الله يأخذ بالأسباب وحدها .. فما هو ظاهر أمامه .. يصدقه .. وما هو غيب عنه يكذبه .. فإذا حدثته عن الجنة والنار .. والثواب والعقاب .. وما أعده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين من عباده سخر منك .. ولكن الذي يؤمن بطلاقة قدرة الله هو الذي يفهم معنى أنه سيكون في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. ولذلك فإننا لكي نؤمن بالآخرة .. ونؤمن بقدرة الله على بعث الموتى .. ونؤمن بما يعدنا الله من ثواب أو عقاب ... يجب أن نؤمن أولا بطلاقة القدرة .. ونعرف أن الله سبحانه وتعالى لا تحده قيود ولا حدود .. ولا شيء عنده يقع تحت كلمة مستحيل .. وأنه مادام قد وعد .. ووعده الحق .. فإنه سيتحقق .. وأنه قادر على أن يخلق جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. .. وقادر على أن يعطي الإنسان نعيما أبديا .. ويعطيه عذابا أبديا
وقادر على أن يسجل أعمال كل البشر .. وعلى أن يواجههم بأعمالهم في الآخرة .. تلك كلها لا تخضع لقانون السببية .. ولكنها تخضع لطلاقة القدرة التي حرص الله سبحانه وتعالى على أن يبينها لنا قولا وفعلا .. ويضعها في حياتنا اليومية .. فنحن نعيش مع طلاقة القدرة كل يوم ليزداد إيماننا بالغيب الذي حجب عنا .. ونحن حين نجد طلاقة القدرة التي تصطدم مع العقول وتحيرها .. إنما يزداد إيماننا بأن الله سبحانه وتعالى فوق قدرة العقول كلها