رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 590 تاريخ التسجيل : 09/04/2010 الموقع : المنتدى العمر : 47
موضوع: عبرة -- غض البصر للشيخ محمد حسان 3rd يونيو 2010, 22:11
قال تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم. ان الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو ابنائهن أو ابناء بعولتهن أو اخوانهن أو بني اخوانهن أو بني اخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت ايمانهن أو التابعين غير اولي الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون” (النور: 30 31). بيّن السياق السابق على الآيات المذكورة ادبا من الآداب السامية التي تحمي المجتمع من الشرور والانحراف والفساد ألا وهو أدب الاستئذان الذي فيه ستر للعورات، وحفظ للحرمات، وصيانة من الشبهات، ووقاية للمجتمع من المنكرات، وجاءت هاتان الآيتان لبيان بعض الآداب الرفيعة الأخرى، والعوامل السديدة التي تمنع المنكر، وتصون الاعراض، وتقضي على الفتن في مهدها، وتقي المجتمع من غوائل الفساد والانحراف عن جادة الرشاد والصواب الى الزيغ والضلال، فأمرت الآية الاولى منهما المؤمنين بغض ابصارهم، وحفظ فروجهم، وأمرت الثانية المؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج والتزام الحجاب، والتمسك بالتستر والاحتشام، والبعد عن مسالك الريبة، ومواطن الفتنة، وختمت بدعوة اهل الايمان رجالا ونساء الى التوبة والانابة الى ربهم، ليتم لهم الفوز في الدنيا والآخرة. ولنا في هاتين الآيتين النظرات والتساؤلات الآتية: ما علة توجيه الأمر في صدر الآيتين للرسول صلى الله عليه وسلم؟ ما سر التعبير بقوله: “للمؤمنين” دون قوله “الذين آمنوا”؟ ما حكمة تقديم الأمر بغض البصر على الأمر بحفظ الفروج؟ ما سبب تقييد غض الابصار ب “من” الدالة على التبعيض، واطلاق حفظ الفروج؟ ما علة التعبير باسم الاشارة للبعيد في قوله تعالى: “ذلك أزكى لهم”؟ لماذا ختمت الآية الاولى بقوله تعالى: “إن الله خبير بما يصنعون”؟ وما وجه دلالة ذلك على المقصود؟ لماذا قدّم أمر الرجال على أمر النساء؟ ولمَ لم يدرج أمر المؤمنات في أمر المؤمنين؟ ما المراد بالزينة في قوله تعالى: “ولا يبدين زينتهن”؟ لماذا ذكر لفظ “ابناء” مع اولاد المرأة واولاد زوجها في قوله تعالى:”أو ابنائهن أو ابناء بعولتهن”؟ ولماذا جيء بلفظ “بني” مع اولاد الاخوة والاخوات في قوله تعالى: “أو بني اخوانهن أو بني اخواتهن”؟ لماذا أوثر الافراد في قوله تعالى: “أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء”؟ ما علة بناء الفعل للمجهول في قوله تعالى: “ليعلم..”؟ ما سرّ توجيه الخطاب الى المؤمنين في قوله تعالى: “وتوبوا الى الله جميعا أيها المؤمنون”؟ وما وجه أمر جميع المؤمنين بالتوبة؟ نقول بعون الله: من التبعيضية ان توجيه الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم حيث كلف بأن يأمر المؤمنين والمؤمنات بالتكاليف الواردة في حيز الآيتين، للاهتمام بشأن تلك الأوامر والنواهي، ولأن هذه التكاليف متعلقة بأمور جزئية كثيرة الوقوع، حرية بأن يكون الأمر بها والمتصدي لتدبيرها رأس الأمة صلى الله عليه وسلم. وعبّر بالوصف “المؤمنين” للاشارة الى أنه لا يقدر ان يلتزم بتلك التكاليف من الأوامر والنواهي الا من رسخ الايمان في قلبه. واثبتت “من” التبعيضية في الأمر بغض الابصار، وحذفت من الأمر بحفظ الفروج، لأن أمر النظر أوسع، فالزوج ينظر الى محاسن زوجته، وينظر من المرأة الاجنبية الى وجهها وكفيها، كما ان النظرة الاولى لا مؤاخذة عليها، وإنما المأخوذ به هو التمادي، أما حفظ الفروج وسترها فمأمور به على العموم، وما ابيح من ذلك فمقصور على الازواج وهو قليل بالنسبة الى ما ابيح من النظر. وقدم غض البصر على حفظ الفرج، لأن النظر بريد الزنا، وطريق الفجور، والخطب فيه اعظم، ولا يكاد يقدر على الانفلات منه أحد، وهو الباب الاكبر الى القلب، واقصر طرق الحواس اليه، ويكثر الزلل والفتن والسقوط من جهة النظر، من اجل ذلك قدم غض البصر على حفظ الفرج، والمراد من قوله: “ويحفظوا فروجهم” أي عن كل حرام من كشف وغيره، ولم يستثن الزوجة وملك اليمين استغناء عنه بما سبق في سورة (المؤمنون) في قوله تعالى: “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين” المؤمنون ،5 ،6 ولأن المقام للتهويل في أمر الحفظ والتشديد. ولم يذكر متعلق حفظ الفروج لافادة عموم الحفظ، والمراد: ويحفظوا فروجهم عما لا يحل. والتعبير باسم الاشارة للبعيد في قوله تعالى: “ذلك أزكى لهم” لتعظيم شأن غض البصر، وحفظ الفروج، وتفخيم امرهما. الامتثال الفوري وفي قوله تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم” ايجاز بالحذف، حيث حذف مقول القول، والأصل: قل للمؤمنين غُضّوا يغضوا واحفظوا يحفظوا، وقد أومأ الحذف الى مسارعة المؤمنين الى الامتثال والقبول، كأنهم لسرعة استجابتهم لما امرهم رسولهم صلى الله عليه وسلم به لا ينفصل فعلهم عن امره صلى الله عليه وسلم فهما متلازمان، وتلمح وراء هذا الحذف ايضا اغراء وحثا للمؤمنين على الامتثال الفوري لما أمروا به، يعينك على هذا ايثار الوصف بالايمان على الوصف بالاسلام، والايمان أعلى درجة كما هو معروف. وختمت الآية الاولى بقوله تعالى: “إن الله خبير بما يصنعون” للحث على الامتثال لأمره تعالى، لأنه لا يخفى عليه شيء من افعال عباده. وقد جاء نظم التذييل مؤكدا للدلالة على المقصود، حيث اكد بأن وأسمية الجملة، وصيغة المبالغة “خبير” وهذا اللفظ يدل بمادته على تمام العلم بحقائق الاشياء، لأنه مشتق من الخبر وهو العلم بكنه المعلومات على حقائقها ففيه معنى زائد على العلم، كما قال: ابو هلال العسكري. وقدم أمر الرجال على أمر النساء، لأن الرجال قوامون عليهن. واستقل أمر المؤمنات عن أمر المؤمنين ولم يدرج تحته على سبيل التغليب كما هو الشأن في كثير من الآيات، للاهتمام بتوجيه هذا الأمر الى المؤمنات مباشرة لخطورة هذا الأمر، ولأن في هذا الأمر تفصيلاً وزيادة غير موجودة في الأمر الموجه الى المؤمنين. ستر الزينة وقد أمرت المؤمنات بغض ابصارهن، فلا ينظرن الى ما لا يحل لهن النظر اليه كالعورات من الرجال والنساء، وهي ما بين السرة والركبة، وكما يحرم نظر الرجل الى المرأة يحرم نظرها اليه ولو بلا شهوة ولا خوف فتنة، فلا بد من غض البصر، وهذا ما قاله ابن حجر المكي. والمراد بحفظ الفروج في قوله تعالى: “ويحفظن فروجهن” حفظها عما لا يحل لهن وفي قوله تعالى: “ولا يبدين زينتهن” اطلق الحال واريد المحل، فالمراد بالزينة مواقعها ومواضعها كالرقبة والصدر وغيرهما. وفي المجاز مبالغة في الأمر بالتستر بإيقاع النهي على ابداء الزينة، والمراد النهي عن ابداء موضعها، وفي ذلك حث للنساء لأن يحتطن في سترها، ويتقين الله في الكشف عنها. وفي قوله تعالى: “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” إرشاد إلى كيفية اخفاء بعض مواضع الزينة، فإن إرسال الخُمُر على الجيوب فيه ستر للنحور والصدور، واستعمال الضرب في الإرسال والاسدال استعارة تشعر بالقوة والشدة في ارسال الخمر حتى تستر ما تحتها تمام الستر. وقد بينت الآية الكريمة من يجوز للمرأة إظهار الزينة أمامهم، وبدأت بالبعول أي الازواج لاتساع دائرة الحل بالنسبة إليهم دون سواهم. تأمل دقة اختيار الألفاظ في البيان القرآني، حيث أوتر لفظ (الأبناء) مع أولاد المرأة وأولاد زوجها في قوله تعالى: “أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن” وجاء لفظ “بني” مع أولاد الاخوة والأخوات في قوله تعالى: “أو بني اخوانهن أو بني أخواتهن” لأن لفظ “بني” أوفق بالعموم وأكثر استعمالا في الجماعة الذين ينتمون إلى شخص مع عدم اتحاد صنف قرابتهم فيما بينهم، ألا ترى أنك كثيرا ما تسمع: بني آدم، وبني تميم،وقلما تسمع: أبناء آدم، وأبناء تميم، والاخوة والاخوات تختلف درجة قرابتهم، فمنهم الأشقاء ومنهم الاخوة والاخوات لأب ومنهم الاخوة والاخوات لأم، فناسبهم لفظ”بني” دون “أبناء” والمراد من قوله تعالى “نسائهن” المختصات بهن بالصحبة والخدمة من حرائر المؤمنات بخلاف الكوافر فإنهن في ابداء الزينة لهن كالرجال الأجانب، وتدل الإضافة هنا على قوة الاختصاص،والاشعار بشدة الاختلاط والصحبة مما يجعلهن أي حرائر المؤمنات مؤتمنات عليهن، محافظات على أسرارهن بسبب الصحبة والصداقة والمخالطة. تعبيرات كنائية وتقابلنا في الآية الكريمة طائفة من التعبيرات الكنائية ففي قوله تعالى: “غير أولي الإربة” كناية عن عدم الرغبة الجنسية، وعدم الميل إلى الشهوة والتفكير فيها. وفي قوله تعالى: “الذين لم يظهروا على عورات النساء”، كناية عن عدم بلوغ الأطفال سن التمييز، وعدم معرفتهم للعورة والشهوة، ولما يدور بين الرجل والمرأة، وهكذا فإننا نلحظ ان القرآن الكريم يبعد الألفاظ الصريحة التي تخدش الحياء العام، وتشعل الغرائز، ويعبر عن ذلك بألفاظ وكنايات لطيفة لا تتصادم مع الذوق العام. وعبر عن الجمع بالمفرد في قوله “أو الطفل” الذين لم يظهروا على عورات النساء” حيث كان الظاهر ان يقال: “أو الاطفال...، لأن الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء يشملهم عدم التمييز، فموقفهم واحد، ورد فعلهم متشابه، فكأنهم لذلك شخص واحد أو طفل واحد لا تمايز بينهم في عدم الاستثارة وعدم الاطلاع على عورات النساء، لذا كان إيثار المفرد، إضافة إلى أن كلمة “الطفل” اسم جنس، يشمل كل الاطفال، فإذا قلت: “لا طفل في الدار، نفيت أن يكون في الدار أي طفل، الواحد والاثنان والجمع، أما إذا قلت: لا أطفال في الدار، فهذا لا ينفي وجود طفل أو طفلين. والمراد بالنهي في قوله تعالى: “ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن” النهي عن ضرب الأرض بالأرجل، لإظهار صوت الزينة الخفية كالخلخال وغيره، ويكون هذا أبلغ من النهي عن ابداء الزينة، لأن سماع صوت الشيء أضعف من رؤيته، فإذا نهي عن الأضعف فما فوقه يكون منهيا عنه من باب أولى وتختم الآية الكريمة بأمر حاسم وملزم للمؤمنين بالتوبة في قوله تعالى: “وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون” وفي توجيه هذا الأمر إلى المؤمنين تلوين للخطاب بصرفه عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كل المؤمنين والمؤمنات بطريق التغليب، وأمر جميع المؤمنين بالتوبة فيه إشعار بأنه لا يخلو مؤمن من بعض الذنوب. وهكذا رأينا كيف ألزم الله المؤمنين والمؤمنات بما يضمن صون المجتمع من عوامل الانحراف والتحلل والفساد من غض الابصار وحفظ الفروج والتستر بالنسبة للمؤمنات وفي الآية الثانية نهي المؤمنات عن إبداء الزينة الخفية إلا لمن استثناهم الله في هذه الآية الكريمة، إلا أننا أصبحنا في عصر للأسف انتشرت فيه ظاهرة العري والمجون والخلاعة، وأصبح الكثير من الفتيات والنساء يتبارين في فتنة عباد الله وإغوائهم بتكسرهن وميوعتهن وخلاعتهن، ألا فليتقين الله في أنفسهن وفي الناس. والله أسأل ان يهدينا سواء السبيل
عدل سابقا من قبل elrayes في 29th أبريل 2011, 22:54 عدل 1 مرات
شهد الحياة المراقبة العامة
رقم العضوية : 13 عدد المساهمات : 42 تاريخ التسجيل : 22/05/2010 الموقع : http://shahdnasser.ahlamontada.com/ العمر : 39
موضوع: رد: عبرة -- غض البصر للشيخ محمد حسان 26th سبتمبر 2010, 16:31