مصـــر الــتى فــى خــاطــرى

لا شك أن كل مصرى يشدو بينه وبين نفسه من حين لآخر أو فى العلن بحبه لمصر، تماما كما شدت أم كلثوم رائعة الشاعر أحمد رامى، التى تغلغلت فى وجداننا ونحن صغار "مصر التى فى خاطرى وفى فمى أحبها من كل روحى ودمى".

لكن المراقب للمشهد المصرى وما يصدر عن هؤلاء المصريين المحبين من تصرفات وسلوكيات ومواقف، لا يعطى أبدا صورة إيجابية تدعم كون هذا الحب حبا حقيقيا مخلصا، اللهم إذا اعتبرناه مما قيل عنه: "ومن الحب ما قتل".

فالحب لا بد وأن يترجم إلى عمل لا يشك أحد أنه فى مصلحة الحبيب.

وهذا فى كل أمر حتى فى حب الله: "قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (آل عمران: 31).

وحتى مع الذين آمنوا لا بد أن يترجم الإيمان إلى عمل وإلا كان مجرد ادعاءات قد يعاقب صاحبها عليه أكثر، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ" (الصف).

أوجه كلامى هذا إلى النخب والأحزاب والقوى المتضاربة كافة، خاصة تلك التى فقدت البوصلة الوطنية الصحيحة، فراحت تتخبط وتتناقض مع نفسها ومع وطنها، وهو فى أحوج اللحظات إلى وحدتها وقوتها وكامل عقلها لتحدد لهذا الوطن الحبيب وجهته التى يجب أن ترسو فيها سفينة ثورته المباركة لتكون بمثابة نقطة فارقة بين عهدين.

ومن أكثر ما يؤلم نفس كل وطنى مصرى شريف أن يصل الحال بالبعض أن يتقمص روح شمشون، فيعتبر كل ما عداه فى الوطن عدوًّا له، وليس لديه مانع من أن يحرق الوطن وكل ما فيه ما دام لم يحقق هو مصلحته..!

فى الحقيقة هذه صورة مؤلمة بل ودامية، لا يمكن أن تكون من محبين عقلاء حكماء لمصر التى فى خاطرى، بل العاقل المحب المخلص يعتبر الحكم مغرما لا مغنما، هذا إن كان يريد بحق الخروج من عهد بائد فاسد أسود كالح السواد إلى عهد مختلف تسترد فيه العزة والكرامة والعدالة لكل المصريين.

عهد كانت فيه مصر تباع بثمن بخس وفى كثير من الأحيان بلا ثمن أصلا، لأعدائها، عهد أقل ما يمكن أن يقال فيه إن مصر قد تم اختراق أمنها القومى فى كل المجالات...! حيث أباحها من حكموها بكل ثرواتها وخيراتها لأعدائها واستباحوا لأنفسهم ما تبقى منها وكأنه هو مقابل لعمالاتهم.

لقد دفعت مصر وشعبها الكثير وتم تغييبها بشكل متعمد عن ركب الحضارة والتقدم، بل الذى وصلت إليه بجدارة -وكأنه مخطط بعناية- هو احتلالها للمراتب المتأخرة فى كل مؤشرات النمو والتقدم على مستوى العالم، وللأسف هذا ما يحاول البعض الآن التباكى عليه ويروج للرجوع إليه، وكأن ذاكرة المصريين ووعيهم قد تم محوهما تماما، ولا يتورع فى دعم تلك الصورة الذهنية البغيضة من خلال إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل وافتعال الحوادث، وتضخيم المشاكل والأخطاء التى لا بد منها، متجاهلا عن عمد أى بارقة فى أمل أو إصلاح، ونحن نرى مصر تستعيد مكانتها وهيبتها الإقليمية والعالمية يوما بعد يوم.

فقدر مصر ومكانتها لا يمكن أن تكون إلا فى مقدمة دول العالم.. هكذا هى مصر التى فى خاطرى، ولعل الثورة ما قامت إلا لتحقيق ذلك.

إننا أمام أخطر لحظات الفعل الثورى لإحداث التحول الذى نريده، الذى يضمن اقتلاع النظام الفاسد الذى لا يزال ممسكا بمعاول الهدم والتخريب من جذوره العميقة، وبناء نظام صالح بديلا عنه، ثم تثبيت هذا النظام الجديد الرشيد الذى نحلم به ليكون ديدننا الذى نسير عليه، وهو ما لخصه شعبنا العبقرى فى شعاره المتحدى، الذى ارتفع فى كل جنبات مصر يوم جمعة الغضب 28 يناير "الشعب يريد تغيير النظام"، فالتغيير يتضمن حتما تلك الحركات الثلاث.

للأسف الشديد لم نقف حتى هذه اللحظة لنحدد مصر التى نحلم بها بعد الثورة...! وظللنا نتصارع على التفاصيل والجزئيات حتى كدنا نذوب فى مستنقعها الذى يموج بكثير من الأهواء والمصالح الشخصية والحزبية قصيرة المدى، على حساب المصلحة الإستراتيجية بعيدة المدى.

وأنا واثق أن كل مصرى مخلص ثورى سوف يوافقنى عن مصر التى فى خاطرى، حينما أفصح عنها مكملا الأنشودة، وألخصه فى كلمات هى "أن تستعيد مصر مكانتها اللائقة من الريادة والتميز العالمى فى جميع المجالات"، لا أعتقد أن محبا لمصر يختلف معى على ذلك.

علينا بعد ذلك أن نتفق أولا على حلمنا لمصر التى فى خاطرى، وهأنذا قد طرحت نموذجا، ومن أراد أن يزيد فأهلا ومرحبا ولنتناقش ولنتحاور حتى نضعه ونتفق حوله، تماما كما فعلت ولا تزال تفعل سائر الدول المتقدمة التى ولدت بعد مصر ثم سبقتها وتفوقت عليها.

هذا هو ما يسمى بالتوجه أو التفكير الإستراتيجى الذى يجب أن يخترق الحواجز والصعوبات والتحديات ويتعدى الحدود العميقة للزمن ويحلق فيما هو أبعد.

ثم يكون بعد ذلك الاجتهاد والتنافس بين كل المحبين فى إبداع السبل والاستراتيجيات التى تحقق حلمنا، ولكن قبل هذا التنافس الشريف أؤكد ضرورة أن نتفق أولا على هدف إستراتيجى كلى لمصر يكون بمثابة البوصلة التى يجب أن يتجه إليها الجميع خلال السنوات العشر القادمة، وأقترح مبدئيا هدفا إستراتيجيا ليكون موضع الحوار والنقاش "أن تكون مصر بكل مجالاتها من بين الدول العشر الأعظم على مستوى العالم 2023".

وحتى نضع جميعا النقاط فوق الحروف فلا بد أن يقف كل قطاع أو وزارة أو محافظة أو هيئة أو أصغر شركة مع نفسها لتضع خطتها التفصيلية الشاملة المتكاملة، كى تحقق هذا الهدف فى ما يخصها فى تلك السنوات العشر، وهذا لا شك يحتاج إلى تضافر كل القوى المحبة لمصر، فالكارهون من أعدائنا -وما أكثرهم- لن يقفوا مكتوفى الأيدى، بينما مصر تصنع حلم نهضتها أمامه.

وهنا نكون قد بدأنا طريق البناء الصحيح لمصر التى فى خاطرى حينما يتحول كل مصرى إلى عازف ماهر فى سيمفونية بناء مصر الجديدة الرائدة المتقدمة، لتتبوأ مكانتها اللائقة بها عالميا بعد طول غياب. وكى يتحقق ذلك علينا أن نردد ونعمل بذلك الحداء: "نحبها من روحنا.. ونفتديها بالعزيز الأكرم.. من عمرنا وجهدنا".

أج ــمل وأرق باقات ورودى

لردك الجميل ومرورك العطر

تــ ح ــياتيـ لكــ

كل الود والتقدير

دمت برضى من الرح ــمن

لك خالص احترامي

كالعادة ابداع رائع

وطرح يستحق المتابعة

شكراً لك

بانتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

دُمتَمْ بِهذآ الع ـطآء أإلمستَمـرٍ

يُسع ـدني أإلـرٍد على مـوٍأإضيعكًـم

وٍأإألتلـذذ بِمـآ قرٍأإتْ وٍشآهـدتْ

تـقبلـوٍ خ ـآلص احترامي

لآرٍوٍآح ـكُم أإلجمـيله