الأذن والحياة والبعث
الكهف الحسي الذي ذكره الله أولا في السورة هو الفتية الذين آمنوا بربهم .. هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين .. خافوا على أنفسهم من طغيان باطل كافر فانتقلوا إلى كهف يختبئون فيه حتى لا يدفعهم هؤلاء الكفار إلى عدم الإيمان ويعودوا بهم إلى الكفر . والله سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا .. إنه مهما ظهر الباطل وطغى .. فإن الإيمان موجود في الدنيا .. قد يكون مستورا عنا .. ولكنه موجود لا ينتهي أبدا .
يقول تعالى : (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) هذه معجزة فالله تعالى يخبرنا أن الشيء الذي لا ينام في الحواس هو الأذن .. وأنت حين تغمض عينيك لا ترى .. ولكنك لا تستطيع أن تغمض أذنيك أبدا .. الأذن تظل مفتوحة تؤدي وظيفتها سواء أردت أو لم ترد .. إذا كنت لا تريد أن ترى شخصا .. فأنت تغمض عينيك فلا ترى أو تشيح عنه بوجهك .. ولكنك إذا لم ترد أن تسمع صوت نفس الشخص .. فأنت لا تستطيع أن تغمض أذنيك .. وإذا كان هناك إنسان نائم .. فقد تمر بيدك قرب عينيه فلا يستيقظ .. ولكنك متى أحدثت صوتا بجانب أذنه فإنه يستيقظ على الفور .. فالله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أولا أن الأذن لا تنام أبدا .. ثانيا إنها أداة الاستدعاء .. وثالثا : إنك لو فصلت الأذن عن ضوضاء الدنيا .. فإن الإنسان يمكن أن ينام فترة طويلة .. ومن هنا سبحانه وتعالى حين أراد أن يجعل أهل الكهف ينامون سنين طويلة .. دون أن يحسوا بما حولهم .. أدخلهم في كهف لا ضوضاء فيه ولا صوت سبحانه فهو لم يأخذ أبصارهم .. ولم يجعل حركة قلوبهم تهبط قليلا .. كحركة قلب النائم .. ولكنه ضرب على آذانهم وكان هذا كافيا جدا .. ليفصل بينهم وبين الدنيا تماما طوال فترة نومهم .. والأذن هي أداة الاستدعاء في الآخرة يقول تعالى : ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) لماذا قال الله سبحانه وتعالى هذا الكلام .. وما هو الداعي لأن توضع هذه الألفاظ في الآية .. مع أنها لو حذفت لا تغير من السياق كثيرا .. كما قلت وأوقول دائما .. إن لكل كلمة في القرآن الكريم معنى معجزا .. بعضه وصل إليه العقل .. والبعض الآخر سيصل إليه العقل بعد سنوات طويلة .. إذا تأملنا في الآية ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) سبحانه يضع المولى قواعد الصحة للرقاد الطويل .. فنجد أننا الآن إذا أصيب أحدنا بمرض يتطلب رقادا طويلا .. فإن الأطباء يحذرون من أن المريض يجب أن يقلب يمينا ويسارا حتى لا يصاب جسمه بالقروح .. أو تحدث له انسدادات في الدورة الدموية
في القدمين الجزء الأسفل من الجسم .. ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى يريد أن ينبهنا إلى أن الرقاد الطويل يجب أن يتم معه تقليب للإنسان الراقد .. بحيث لا يرقد على جزء واحد من جسده فترة طويلة .. فيصاب بأضرار بالغة يعرفها الطب جيدا هذه الأيام .. كشف عنها الله سبحانه وتعالى من علمه للناس فعرفها لهم .